كثير من هواة الآثار والتحف والنوادر لا يفوتهم زيارة المتاحف التى تضم
هذه النوادر فى مصر والعالم كله، بل ويذهبون إليها فى أى مكان، خاصة وأن
هذه المتاحف أماكن عامة وشهيرة يعرفها الجميع، ولكن المتحف الذى نتحدث عنه
هنا هو متحف لا يعرف عنه سوى عدد قليل جدا بمنطقة المريوطية بشارع الهرم.
وربما يكون صدفة أن يكون هذا المتحف الذى يحوى من النوادر ما يكفى لجذب
الانتباه فى نفس المنطقة التى تضم إحدى معجزات الفراعنة وهى الأهرامات
الثلاثة، وفى طريقها أيضا لاحتواء مجموعة هائلة من الآثار الفرعونية، وعلى
رأسها تمثال الملك رمسيس الذى ظل سنوات طويلة يحتل أكبر ميدان بالقاهرة هو
ميدان رمسيس.
متحفنا هذه المرة هو متحف خاص يملكه الدكتور محمد عبد الوهاب وهو مغترب
مصرى بالولايات المتحدة منذ أكثر من عشرين عاما، وهو باحث تاريخ ومنتج
سينمائى ورئيس تحرير مجلة "أوسكار نيويورك" الأمريكية، خصص الطابق الخامس
بإحدى عقارات منطقة المريوطية ليضم مجموعة من أندر الأشياء فى العالم
والتى عجز الكثيرون من هواة التحف عن الحصول عليها، كلفته ملايين
الدولارات لاقتنائها، إلا أنه لا يبالى فى سبيل جمع هذه النوادر.
وتم تصميم مدخل منزله بطريقة توحى بالقصور الملكية التى لا تعرف من أى عصر
هى، وإنما دون شك تبهرك بتصميمها وإضاءتها الساحرة، وتضم مجموعة من صوره
بصحبة مشاهير وزعماء العالم بدءاً بسدنة الكعبة المشرفة ورؤساء الدول
العربية والأفريقية ومجموعة كبيرة من الفنانين.
اليوم السابع تجول فى متحفه من حجرة لحجرة، وشاهد مجموعة كبيرة من
المقتنيات النادرة لعل أبرزها أسلحة المحارب الشهير ويليام والاس، والتى
يرجع تاريخها إلى عام 1835، بالإضافة إلى بدلة محارب واقعية مكتوب على
خوذتها كلمة "press" وتعنى صحافة، والتى أكد عبد الوهاب أنها البدلة التى
ارتداها عندما اخترق حصار الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات حيث كان
الصحفى الوحيد الذى تمكن من مقابلة عرفات أثناء الحصار الذى استمر حتى
وفاته.
وربما تكون المجموعة الأغرب والأعجب والأكثر إثارة فى المقتنيات العديدة
التى يحويها متحف الدكتور عبد الوهاب هى مجموعة من آلات وأدوات التعذيب
التى ابتدعها الإنسان السادى على مر العصور وحتى يومنا هذا، وهى الحجرة
التى تدخلها لتخرج مصابا بالرعب والغثيان معا، عندما ترى إبداع أجهزة
الأمن فى العالم بمختلف العصور والدول لتعذيب سجناء الرأى وعناصر
المقاومة، ولعل أكثرها قسوة هى ما ابتدعته محاكم التفتيش فى أسبانيا
بالعصور الوسطى.
وأول هذه الأدوات هى "الخازوق" وهى عبارة عن عمود خشبى مسنن يجلس عليه
السجين، ويبدأ فى اختراق جسده تدريجيا حتى الوصول إلى مخه ليموت فى
النهاية بأشد أنواع التعذيب إيلاما وابتدعها المماليك، وقد وضع الدكتور
عبد الوهاب دم غربان عليه ليضفى نوعا من الرهبة للمتفرج، كما يحوى متحفه
أيضا آلة "النفخ" وهى عبارة عن منفاخ يوضع فى دبر الإنسان ويظل المعذب
ينفخ فيه حتى يموت السجين من شدة الهواء وشدة الألم، وتم اختراعه فى عهد
الدولة العباسية، مشيرا إلى أن بعض أجهزة المخابرات مازالت تستخدمه حتى
الآن.
ومن أشد أنواع الآلات قسوة والتى ابتدعتها محاكم التفتيش بأوروبا فى
العصور الوسطى هى مقص كبير لثدى المرأة و"كلابة" و"ساطور" أيضا لنفس الغرض
تستخدم لتعذيب السيدات، خاصة المناضلات والمعارضات للحكم، ويؤكد الدكتور
عبد الوهاب أنها فى معظم الأحيان كانت تودى هذه الوسيلة بحياة المرأة فورا
من شدة الرعب والقسوة.
وتضم المقتنيات مجموعة من "الكرابيج" المختلفة الأنواع، و"سواطير" لقطع
اليد، وأدوات للكوى وحرق جسد الإنسان، ومن ضمن الأشياء المرعبة هى آلة
تسمى "العصارة" وهى عبارة عن آلة حديدية تشبه مطحنة البن يوضع فيها
الإنسان ويستمر المعذب فى إدارة اليد لتضغط تدريجيا على الرأس حتى يتم
كسرها تماما، وأيضا آلة أخرى صغيرة الحجم مدببة تدخل فى طبلة الأذن حتى
تخرج من الناحية الأخرى، مرورا بالوسائل الحديثة والنظيفة للتعذيب مثل
العصا الكهربائية.
هذه المجموعة من المقتنيات الغريبة تجعلك تندهش من الأسباب التى أدت لجمع
مثل هذه الآلات العجيبة والمرعبة، ويفسر الدكتور عبد الوهاب هذا الأمر
بقوله: "لدى قناعة بأن جسد الإنسان كرمه الله وخلقه فى أروع صورة والإنسان
أيضا شوهه"، مضيفا: "أؤرخ لفترات التعذيب للتشهير بزبانية التعذيب على مر
التاريخ".
وصرح عبد الوهاب أنه فى سبيله لعمل أكبر متحف فى العالم والأول من نوعه فى
الشرق الأوسط لآلات التعذيب، ويحوى ما يقرب من ألف آلة تعذيب، ويبين
التاريخ الأسود لزبانية العالم على مر العصور، يكون مقره أيضا بمنطقة
الجيزة، دون أن يفصح عن موعد زمنى للانتهاء منه.
وقال عبد الوهاب إنه لن يكتفى بتصميم المتحف ليضم مجرد آلات فقط، وإنما
يعمل على أن يكون متحفه الجديد أشبه بـ "بيت الرعب" بحيث يوحى المكان
للمشاهد بأنه يعود للعصر الذى اخترعت فيه آلة التعذيب، ويسمع أصوات الصراخ
والأنين للمعذبين وأصوات الأسود والكلاب التى تأكل المعذبين، وأيضا تكون
الإضاءة مصممة لتوحى بجو الرهبة والخوف.
ولا يخفى على أحد أن هذا المتحف قد يكون سبباً فى أن يواجه عبد الوهاب
متاعب كبيرة فى حياته وعمله وتجارته فى الولايات المتحدة، خاصة وأنه ينوى
التأريخ لفترات التعذيب منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا، بما يعنى اصطدامه
بالعديد من أجهزة الأمن والمخابرات فى مصر والعالم، وهو ما يؤكد عبد
الوهاب أنه لا يعنيه مطلقا، وقال: "لا أخشى إلا الله وأعتبر شأنى أقل من
الحبس فى سبيل الله"، مشددا على أنه لن يتوانى فى فضح ساديى العالم الذين
أهانوا جسد الإنسان الذى كرمه الله.
وأوضح عبد الوهاب أنه ليس ضد مبدأ التعذيب على الإطلاق، لأن القاتل
والزانى والسارق لابد أن يعاقب، وهو ما أقره الدين الإسلامى الحنيف، وإنما
لا يجب أن يعذب المثقفون والمتهمون فى جرائم الرأى كما يحدث منذ بدء
التاريخ وحتى الآن.
>