الحلقة الثامنة: بستان الذهب واللآلئ
خرجت روان من البيت مسرعة فقد تذكرت فجأة موعداً مهماً.. قال لها ذو القبعة الزرقاء وهو يخلع قبعته وينزوي معها في أحد أركان الحديقة وقد بدا عليه الملل:
- انتظرتك كثيراً يا روان..
- آسفة لقد نسيت موعدنا وأنا أشاهد التلفاز..
- طبعاً المسلسلات متتابعة كالعادة.. وقبل أن ينتهي المسلسل يتم الإعلان عن المسلسل الذي يليه..
ضحكت روان ثم قالت:
- أجل.. حتى يضمنوا أن لا نتحرك من أمام الشاشة..
- وهل تعجبك المسلسلات؟
- ليس كلها.. فهناك المشاهد الراقصة والمناظر المخجلة، والطريف في الموضوع أنهم بين فترة وأخرى يكتبون جملة: رمضان كريم، شهر التقوى والغفران إنني أحياناً أقول ليتهم لم يخترعوا التلفاز..
- لا تقولي ذلك يا روان فالإعلام وسيلة ممتازة لتوصيل المعلومات للناس..
- هذا إذا كانت هناك معلومات مفيدة وتقدم نصائح تنفع الناس دينياً وثقافياً وإجتماعياً.. كم أتمنى أن تخرج البرامج التلفزيونية عن إطار التهريج وتكون برامج ناضجة تقدم المعلومة والنصيحة في إطار محترم..
- إذا كانت لا تعجبك فلماذا تضيعي وقتك فيها إذاً؟
- حتى أعرف ما الجديد فصديقاتي يتحدثن عن البرامج والمسلسلات وأحب أن أشاركهن الحديث.. بيننا ما يشبه المنافسة فصديقتي مها شاهدت ستين مسلسلاً العام الماضي!
- والنتيجة.. وقت يضيع ومال يهدر.. أليس الفقراء والجياع ونصرة بلادنا على أعدائها أولى بهذه الأموال والجهود التي تضيع سدىً؟ (جلس عند شجرة كبيرة وقال وهو يتأمل الأفق) : ما رائيك برجل سار في بستان مليء بالأشجار المثمرة من كل شيء والطريق الذي يسير فيه كله ذهب ولآلئ لكنه عبر الطريق ووصل حتى نهايته دون أن ينتبه لها ويلتقطها..
- لماذا؟
- لأنه كان مشغولاً بالنظر إلى واحة خضراء فيها تمر وماء.. وعندما وصل إليها وجدها سراباً..
- إنه أحمق ولاشك..
- لكنك تفعلين مثله..
- أنا؟؟ كيف؟
- أنت الآن في شهر رمضان ثواب قيام ليلة واحدة فيه خير من ثواب ألف شهر مما سواه، فيه يعفو الله عن عباده، ويقضي حوائجهم، إذا تقربوا إليه بالدعاء، ويعتق رقابهم من النار، ويعلي مراتبهم في الجنة، و بالرغم من ذلك كله فإنك تقضين وقتك في مشاهدة التلفاز، وفي السهر والنوم والتسوق.. ويفوتك الذهب، وتضيع منك اللآلئ وعندما سينتهي بك الطريق ستكتشفين أن كل ما انشغلت به كان مجرد صور، تماماً كالسراب الذي وصل إليه الرجل فلم يجده شيئاً!
- لقد فهمت كلامك أنا لم أحصل حتى الآن إلا على سراب؟؟.. يا خسارة..
- مازال لديك فرصة يا روان فلا تضيعيها منك.. الأيام تمضي لكنها لا تعود.. إنها كالشمعة التي تحترق وتذوب حتى تختفي فلا يبقى لها أي أثر.. لا تكوني مثل أولئك الذين ينشغلون في أيام الرحمة بشراء أغراض رمضان، و في أيام العفو بالزيارات والدعوات والسهر حتى الصباح أمام التلفاز أو في الخيام الرمضانية، وفي أيام العتق من النار في التحضير للعيد.. وهكذا تمضي الأيام المباركة دون أن يستفيدوا من ثوابها.. إلا من رحم ربي وهم القلة الذين يعرفون قيمة هذا الشهر الفضيل، بأيامه ولياليه، حق المعرفة..
- أيها الخفي إنك كل يوم تعلمني شيئاً جديداً.. وتنبهني إلى أشياء كثيرة كنت قد غفلت عنها جزاك الله عني كل خير ..
- إن الذكرى تنفع المؤمنين..
- حسناً أعدك أن أجتهد في الأيام المقبلة، سأصلي وأقرأ القرآن و أتقرب إلى ربي بالدعاء..
- كلام جميل.. أي أنك ستفعلين ما يفعله حبيبك..
- هل رأيته؟
- نعم.. إنه طبيب ناجح أخذ إجازة من عمله كي يصوم صيام البطن والجوارح، ويكثر من الصلاة والدعاء، وإذا شتمه أحد قال: إني صائم..
قالت له بعد أن أمعنت النظر في الصورة التي أحضرها:
- لقد أتعبتك كثيراً يا خفي.. لكن يبدو أنه لن يجد حبيبي أحدٌ غيري..
- يئست مني إذاً؟
- أعرف أنك بذلت جهداً كبيراً.. لكنك لا تعرف حبيبي كما أعرفه أنا..
- حسناً خذي فرصتك يا روان.. وهذا رقمي سأتركه معك و إذا احتجت أي شيء فلا تترددي في طلبي.. و سأحضر لأطمئن عليك من وقت لآخر..
- ستسعدني زيارتك في أي وقت..
- مع السلامة يا روان..
- مع السلامة.. أيها الخفي.
الأحد ديسمبر 27, 2009 12:15 pm من طرف مهند شريف